RSS
Container Icon

الصفر وحقيقته

الصفر وحقيقته
الصفر: الرقم الذي لا قيمة له بمفرده لكنه يمنح القيمة المادية والمعنوية أحياناً للأرقام التي يُوضع أمامها
فالصفر ضرورياً لملء الخانات الفارغة بين الأرقام وفي حين كان بعض الكتبة يتركون فراغاً بين الأرقام للدلالة على العدد 603 ـ مثلاً ـ فان بعضهم كان ينسى الأمر مما يسبب ارباكاً في قراءته، لذلك اُعتمد على أشكال من الفواصل التي تدل على الخانة الفارغة ـ أو الصفر ـ لتبيان العدد. لكن مشكلة الخانة الفارغة لم تُحل نهائياً حتى وصل البابليون نحو عام 1000 ق.م لتثبيت رمز «الصفر » في الفترة المتوسطة بين ظهور وانتشار العدّ الموضعي البابلي وأقدم الوثائق التي تحمل رمز الصفر كتلك التي وُجدت في أوروك وتعود لبداية الألف الثاني قبل الميلاد.

و الصفر الذي لم تعرفه أوروبا حتى بدايات القرن الثاني عشر ولم يغير اسمه العربي بل اشتق منه غالباً، فعالم الرياضيات الشهير «فيبوناتشي» يُسمي الصفر في كتاب له «زفيروم» ثم تحول الى: «زفيرو» ثم الى زيرو، ومن التسمية العربية «صفر» اشتقت أيضاً التسمية الأوروبية اللاتينية الجديدة للأرقام chiffer وأصبحت تشير في معظم اللغات الى نظام العدّ العشري.
أوّل من أدخل الصفر في علم الحساب هو العالم المسلم محمد بن موسى الخوارزمي المتوفى عام 235م. وكان هذا الاكتشاف في علم الحساب نقلة كبيرة في دراسة الأرقام وتغيراً جذرياًّ لمفهوم الرقم .

لقد برع العرب في العلوم الرياضية و أجادوا فيها ، و أضافوا إليها إضافات هامة أثارت الإعجاب و الدهشة لدى علماء الغرب ، فاعترفوا بفضلالعرب و أثرهم الكبير في تقدم العلم و العمران .

لقد اطلع العرب على حساب الهنود فأخذوا عنه نظام الترقيم ، إذ أنهم رأوا أنه أفضل من النظام الشائع بينهم و هو نظام الترقيم على حساب الجمل ، و كان لدى الهنود أشكال عديدة للأرقام ، هذب العرب بعضها و كونوا من ذلك سلسلتين ، عرفت إحداهما بالأرقام الهندية و هي التي تستعملها هذه البلاد و أكثر الأقطار العربية و الإسلامية و هي ( 1 ، 2، 3 ، 4 ، 5 ، 6 ، 7 ، 8 ، 9 ) ، و عرفت الثانية بالأرقام الغبارية ، و قد انتشر استعمالها في بلاد الغرب و الأندلس ، و عن طريق الأندلس دخلت هذه الأرقام إلى أوروبا و عرفت باسم الأرقام العربية (Arabic Number ) و هي :

( 1,2,3,4,5,6,7,8,9 )
، و ليس المهم هنا تهذيب العرب للأرقام و توفيقهم في اختيار هاتين السلسلتين أو إدخالهما إلى أوروبا ، بل المهم هو إيجاد طريقة جديدة لها و هي طريقة الإحصاء العشري ، و استعمال الصفر لنفس الغاية التي نستعملها الآن .

و كان الهنود يستعملون ( سونيا ) أو الفراغ لتدل على معنى الصفر ، ثم انتقلت هذه اللفظة الهندية إلى العربية باسم ( الصفر ) ، و من هنا أخذها الإفرنج و استعملوها في لغاتهم ، فكان من ذلك (Cipher ) و (Chiffre) و من الصفر أتت الكلمة (Zephyr) و (Cipher) ثم تقلصت عن طريق الاختصار فأصبحت (Zero)

و من المعروف أن للأرقام الرومانية أشكال عديدة بحيث يصعب تعلمها بسهولة ، و لما جاء العرب شعروا بصعوبتها فنقبوا في الأرقام الهندية فوجدوا أن فكرتها أفضل بكثير من السابقة فأخذوا عن الهنود أرقامهم بعد أن طوروها وشذبوها لتكون أكثر فعالية ، و لهذه الأرقام العديد من المزايا منها :

أنها تقتصر على عشرة أشكال بما فيها الصفر ، و من هذه الأشكال يمكن تركيب أي عدد مهما كان كبيرا بينما الأرقام الرومانية تحتاج إلى أشكال عديدة و تشتمل على أشكال جديدة للدلالة على بعض الأعداد .


و من مزاياها أيضا - أي الأرقام العربية أو الهندية - أنها تقوم على النظام العشري ، و على أساس القيم الوضعية بحيث يكون للرقم قيمتان : قيمة في نفسه ، كقيمة الأربعة في العدد 4 ، و قيمة بالنسبة إلى المنزلة التي يقع فيها ، كقيمة الثلاثة في العدد 234 و هي ثلاثين .

و لعل من أهم مزايا هذا النظام هو إدخال الصفر في الترقيم و استعماله في المنازل الخالية من الأرقام ، و لسنا بحاجة إلى أنه لولا الصفر و استعماله لما فاقت الأرقام العربية و الهندية غيرها من الأرقام ، و لما كانت لها أية ميزة ، بل لما فضلتها الأمم على الأنظمة الأخرى المستعملة في الترقيم .

و للصفر فوائد أخرى ، فلولاه لما استطعنا أن نحل كثيرا من المعادلات الرياضية من مختلف الدرجات بالسهولة التي نحلها بها الآن ، و لما تقدمت فروع الرياضيات تقدمها المشهود ، و كذلك لم تتقدم المدنية هذا التقدم العجيب .

و من الغريب أن الأوربيين لم يتمكنوا من استعمال هذه الأرقام إلا بعد انقضاء قرون عديدة من اطلاعهم عليها ، أي أنه لم يعم استعمالها في أوروبا و العالم إلا في أواخر القرن السادس عشر .

  • Digg
  • Del.icio.us
  • StumbleUpon
  • Reddit
  • RSS

0 التعليقات:

إرسال تعليق